أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الاتحاد الأوروبي والعرب: لا حياة لمن تنادي

20 يوليو، 2017


مع استمرار الصراعات في الشرق الأوسط في الاحتدام وازدياد الأزمات السياسية تعقيدًا، يتميز الاتحاد الأوروبي باتباع نهج غير تدخلي في المنطقة. وتعود جذور هذا النهج إلى ما قبل أيام الثورات العربية في الفترة 2010-11، ويبدو أنه في ازدياد منذ ذلك الحين.

لقد قامت الثورات العربية بإظهار مجموعة متنوعة من الديناميكيات: فقد طالبت الحشود الشعبية غير المسبوقة بتغيير العقود الاجتماعية في المنطقة، ومنحت الثورات الشعوب شعورًا بالتمكين السياسي، مع ان ذلك الشعور لم يدم طويلًا في كثير من الحالات. وفي ضوء المنطق القديم القائم على تحديد أولويات الاتحاد الأوروبي في العالم العربي والذي يدور حول ضمان الاستقرار ومن ثَم دعم بقاء الأنظمة العربية المتحالفة، جاء الربيع العربي كمفاجأة. ولكن في نفس الوقت، خلق هذا التحول التاريخي فرصة سانحة لعملية تعلم سياسي محدود للاتحاد الأوروبي. فقام الاتحاد الأوروبي بتقديم عدد من البرامج الجديدة الموجهة نحو دعم التغيير الديموقراطي السلمي في العالم العربي. في تونس، على سبيل المثال، يدعم الاتحاد الأوروبي التغيير الديموقراطي والإصلاح الاقتصادي. لكن الصورة الأوسع لا تزال مألوفة. فالإستراتيجيات الاقتصادية الأوروبية، بسبب ميولها النيوليبرالية، ليست مناسبة للتغلب على تراث عصر زين العابدين بن علي من التهميش السياسي الاقتصادي والفقر.

وفي الوقت ذاته، منذ عام 2011، يشهد النظام الإقليمي تغييرًا جوهريًا. فتحولت نزاعات القوى إلى عنف متزايد وجذبت انتباه مزيد من الفاعلين ومصالحهم المتنافسة. والأكثر وضوحًا هو أن الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية نمت بقوة تزامناً مع صعود المجموعات غير الحكومية في المنطقة. وقد أصبحت النزاعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متخطية الحدود الوطنية في شكل متزايد، بخاصة مع المشاركة العسكرية المباشرة بواسطة الفاعلين الإقليميين في الحروب الحالية وكذلك المنظمات الدولية (كالتحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسورية، والحملة العسكرية الروسية في سورية). ولكن إحدى نتائج هذه المشاركة هو زيادة الاستقطاب الطائفي والعنف في المنطقة. وكنتيجة للتحولات الإقليمية والمحلية في السلطة، فهناك ضعف غير مسبوق في كيان الدول في العالم العربي، وليبيا وسورية واليمن والعراق من أبرز الأمثلة.

إن أوضاع الدول العربية التي شهدت عنفًا متزايدًا منذ عام 2011 قامت بجعل التوق الى الاستقرار، وليس دعم الإصلاح، المنطق المهيمن للاتحاد الأوروبي مرة أخرى، كما كان عليه الحال قبل عام 2011. وقد تسبب ذلك في التحول في خطاب الاتحاد الأوروبي، من التركيز على القيم مباشرةً بعد الربيع العربي إلى خطاب «الواقعية السياسية» بعد سنوات قليلة. وهذا التحول يضعف صدقية الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبالإضافة إلى ذلك، وعلى رغم أن الثورات العربية في عام 2011 قامت بإبراز الصلة الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة والأمن، فإن أوروبا تواصل التعامل مع جيرانها الجنوبيين من خلال إطار يتفاعل مع كل قضية من هذه القضايا على حدة. وذلك واضح أيضًا في رد الفعل الأوروبي على العنف السياسي من جانب الأفراد الأوروبيين من أصل شمال أفريقي، كما حصل في فرنسا. فقد قامت الحكومات الأوروبية بالرد على هذا العنف بإجراءات قصيرة الأجل والتي تعالج الأعراض بدلاً من أسباب الإرهاب: السياسات المناهضة للهجرة، وانتشار المستشارين الأمنيين، والمراقبة المتزايدة، وزيادة الهجمات العسكرية على أهداف في سورية والعراق.

ومع ذلك، فإن هذا التركيز على منع أعمال العنف العشوائية غير كافٍ ويعمل على تفاقم مشاكل أوروبا مع العالم العربي.

يجري إعطاء الأولوية للأمن باعتباره الطريقة الأساسية التي تتعامل بها أوروبا مع العالم العربي. وهذا يزيد من المظالم تجاه أوروبا ويعزز من الإحساس بالغبن الذي تسببه أوروبا في المنطقة، وهي السردية التي يستخدمها «داعش» لحشد المؤيدين في العالم العربي كما في أوروبا ذاتها. ويتطلب القضاء على تيار الإرهاب معالجة القضايا الأوسع والتي تتمثل في التهميش السياسي والاقتصادي ليس فقط داخل أوروبا وإنما أيضًا في الدول العربية المصدرة للإرهاب. ولكن الإستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي القائمة على التركيز على الأمن لن تؤدي إلى تمكين المواطنين سياسياً.

وفي الوقت ذاته، فإن الدور المتزايد للمجموعات غير الحكومية يتحدى المنطق القديم القائم على أن الدول هي الكيانات الفاعلة الرئيسية في المجال الدولي، وهو المنطق الذي يمثل ماهية فهم الاتحاد الأوروبي للديناميكيات في العالم العربي. إن نهوض المنظمات العسكرية غير الحكومية مثل «داعش» في سورية والعراق منذ عام 2014 يجسد هذا الاتجاه الجديد في الديناميكيات على الأرض.

لقد تم تحدي منطق حماية الهيمنة الأوروبية في شكل كبير بعد عام 2011، والذي أصبح واضحًا جدًا عند النظر إلى التحولات العنيفة في سورية. في سياق هذا الصراع، كان الاتحاد الأوروبي ككيان غائب تقريبًا. وتفاقم ذلك بسبب انسحاب الولايات المتحدة عن شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك جعل أوروبا أكثر ضعفًا حيث أنها تنتظر تحرك قوة عظمى لن تعمل، كما يوضح الوضع السوري.

على رغم أن العديد من الدول الأوروبية كان راغباً بشدة في الانضمام إلى الولايات المتحدة أيام أوباما في دعوة الرئيس السوري بشار الأسد الى المغادرة، لم يقترن هذا الخطاب بدعم كافٍ للمعارضة السورية لا من الجانب الأوروبي ولا من جانب الولايات المتحدة. ولم تبذل الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي جهدًا جادًا لإنهاء النزاع السوري، ولكن بدلاً من ذلك اختارت إتباع المسار الذي تسلكه الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بعد ذلك. وعندما تحول النزاع السوري إلى حرب أهلية، حتى الدول التي قدمت دعمًا عسكريًا للجماعات المسلحة المعارضة، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، لم تمنح هذا الدعم على مستوى عالٍ بما يكفي لتمكين هذه المجموعات من الفوز بالحرب. ولم يقم الاتحاد الأوروبي بتقديم بدائل سياسية تمهد الطريق لتسوية النزاع. وبدلاً من ذلك، قامت الدول الأوروبية باقتصار نشاطاتها على تقديم المساعدات الإنسانية إلى سورية، والتي كانت وسيلة للتعامل مع الأعراض مع تجاهل المشكلة.

لقد أدى عدم اتخاذ إجراء على المستوى السياسي والدعم العسكري المبدأي وحسب للمعارضة السورية إلى تشويه سمعة أوروبا والغرب على المستوى المحلي في سورية وإلى تمهيد الطريق أمام المجموعات غير الحكومية مثل «داعش» لتقديم ذاتها كبديل للنظام وكذلك للمعارضة السورية التي اعتبرت كمتآمرة مع الغرب من دون تحقيق نتائج على أرض الواقع. إن نهوض هذه المجموعات في سورية يعود جزئيًا إلى ضعف بصيرة أوروبا لأن «داعش» مثلاً هو نتيجة للمظالم المحلية مثل التهميش الاقتصادي والنقص الملحوظ في البدائل السياسية.

وتفاقمت تلك المشكلة لأن العديد من الشباب الأوروبيين انضموا إلى «داعش» أو تم تجنيدهم للقيام بعمليات ارهابية في الغرب. وعلى خلفية وجود نزاعات عنيفة وزيادة الإرهاب داخل أوروبا، فقد اكتسب منطق منح الأولوية لتحقيق الاستقرار وبقاء النظام سيادة ليس لها مثيل.

إن التطورات المتغايرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتطلب إستراتيجيات ملائمة من قبل أوروبا. لكن ليس لدى الاتحاد الأوروبي رؤية مقياسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وليس لديه إستراتيجية شاملة تتقاسمها كل الدول الأعضاء. وبدلاً من ذلك، هناك مجموعة من الإستراتيجيات المتنوعة جداً، والتي تتكيف بمرونة مع حالة الدول الأوروبية المعنية، وينتج من ذلك سياسة أوروبية إقليمية متفككة.

على الاتحاد الأوروبي أن يفهم أن مشكلة الإرهاب التي تواجهها الدول الأعضاء هي نتيجة غير مباشرة لسياساته غير المترابطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن مع تورط الاتحاد الأوروبي في تعقيداته الداخلية، مثل انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد، فليس محتملاً أن يصبح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أولوية لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية في المستقبل القريب أو حتى في المستقبل المتوسط الأجل.

*نقلا عن صحيفة الحياة